الجزء الثانى من فيض جوهر نصائح
وإيحاءات القرآن والسنة لصالح الإنسان.
تحقيق العبد الراجى عفو الله / محمد
محمود خليفه.
◇ يجب أن نتأمل هذه الآية العظيمة : {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةوَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ
بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}،
إن الآية تُظهر لنا عظمة الله وقدرته
المطلقة، فالأرض كلها بيده كالقبضة ، والسماوات مطويات بيمينه ، فكيف لا نُعظّم
الله وهو بهذه العظمة؟!
كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله
:" عظمة الله وجلاله في قلب العبد تمنعه من الوقوع في الذنوب" ، فمن
يعصي الله ويستهين بأوامره ونواهيه ، لم يُقدّر الله حق قدره ، كيف يُعظّم الله من
يستهين بحدوده؟! هذا من أعظم المحال وأبين الباطل ، فلنُعظّم الله في قلوبنا ،
ولنخشَ قدرته وجلاله ، حتى نبتعد عن معاصيه وننال رضاه."
◇ إن الدعاء هو اللجوء إلى الله تعالى في السراء والضرّاء والخضوع له ، طلباً في تحقيق أمور دنيوية وأخروية يتمنّى المرء حدوثها ،
قال تعالى :" وَإِذَا سَأَلَكَ
عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " (
البقرة : ١٨٦ )
◇ فضائل الدعاء تتضمن الآتى :-
١- تقريب الصلة بين العبد وربه وشعور
المسلم بالأمان والاطمئنان لوجود داعمٍ له ميسّر لأمره، ألا وهو سبحانه تعالى.
٢- نيل الأجر والثوب من الله فالدعاء
سلاح المؤمن ، فهو معه عند اشتداد الكرب ، معه عند نزول المصائب والمحن ، معه عند
انتشار الظلم ، معه على الظلمة والمعتدين ، فالدعاء سلاح المؤمن من لدن آدم إلى
قيام الساعة ، فعندما اشتد إعراض قوم نوح بعد عرض دعوته ليلا ونهارا ، سرا وجهارا
، فما كان منه عليه السلام إلا أن قال ( رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ
الْكَافِرِينَ دَيَّاراً ) ( نوح : ٢٦ ) ،
فأجاب دعوته ( فَأَخَذَهُمُ
الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ) (العنكبوت : ١٤ ) ،
ولما اشتد إعراض فرعون وقومه عن دعوة
موسى ما كان منه عليه السلام إلا أن قال ( رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ
وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ
الأَلِيمَ ) (يونس : ٨٨ ).
فأجاب الله دعوته ، فأغرق فرعون وجنوده
وجعله عبرة لمن خلفه ، ولما اجتمع مشركوا قريش يوم بدر ، وألقت قريش بفلذات أكبادها
إلى المعركة كان من دعائه صلى الله عليه وسلم ( اللهم نصرك الذي وعدتني ، الله
أحنهم الغداة ) ،
فما كان من الله جل جلاله إلا أن أنزل
النصر ، وأعز جنده المؤمنين.
٣- يحب أن يكون الدعاء فيه قطع العلائق
عن الخلائق ، فيه اعتماد القلب على الله والاستعانة به وتفويض الأمور إليه وحده
سبحانه وتعالى بل إن الله ليغضب حين يترك سؤاله قال صلى الله عليه وسلم ( من لم
يسأل الله يغضب عليه ) وإذا سأله عبده استحيا أن يرد يديه صفرا خائبتين ، والدعاء سبب لانشراح الصدر وزوال الغموم ،
وتفريج الهموم ، قال صلى الله عليه وسلم : ( من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم
تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله ، فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل ).
وقال صلى الله عليه وسلم ( إن الدعاء
ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء ).
٤- الدعاء أنيس المؤمن عند الشدائد ،
وصديقه عند اشتداد الكرب ونزول المصائب ، فما استجلبت النعم بمثله ، ولا استدفعت
النقم والبلايا بمثله ،
( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا
دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ).
٥- الدعاء ثمرته مضمونه ، فالربح حاصل
حاصل ،
فإما أن تجاب الدعوة ، أو يكف بها
السوء ، أو تدخر ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ،
قال صلى الله عليه وسلم ( ما من مسلم
يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم ، إلا أعطاه الله بها احدى ثلاث : إما أن
تعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها
..
قالوا : أذا نكثر يا رسول الله ـ أي من
الدعاء ـ قال : الله أكثر ).
٦- الدعاء مفزع المظلومين ، وملجأ
المستضعفين ، فالمظلوم أو المستضعف إذا انقطعت به الأسباب ، وأغلقت في وجهه
الأبواب ولم يجد من يرفع عنه مظلمته ، ويعينه على دفع ضرورته ، رفع يديه إلى
السماء ، وبث إلى الجبار شكواه ، فنصره الله وأعز وانتقم له ولو بعد حين
ذكر البخاري ومسلم ـ رحمهما الله ـ أن
امرأة خاصمت سعيد بن زيد ـ رضي الله عنه ـ في أرض وزعمت أنه أخذ شيئا منها ،
فقال سعيد : كيف أخذ من أرضك وقد سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوقه الى سبع
أراضين )
فقال سعيد : ( اللهم إن كانت كاذبة
فأعم بصرها ، واقتلها في أرضها )
قال : فما ماتت حتى ذهب بصرها , وبينما
هي تمشي في أرضها إذا وقعت في حفرة فماتت ، ولقد أجاب ابن القيم ـ رحمه الله ـ على
سؤال وهو متى يستجاب الدعاء : فقال : رحمه الله إذا جمع مع الدعاء : حضور القلب ،
وصادف وقتا من أوقات الإجابة، وصادف خشوعا في القلب وانكسارا ، واستقبل الداعي
القبلة ، وكان على طهارة ، ورفع يديه إلى الله ، وبدأ بحمد الله والثناء عليه ، ثم
ثنى بالصلاة على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم قدم بين يديه حاجته
التوبة والاستغفار ، ثم دخل على الله وألح في المسألة ، ودعاه رغبة ورهبة ، وتوسل
إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده ، وقدم بين يديه صدقه ، فأن هذا الدعاء لا يكاد يرد
).
٧- من أسباب استجابة الدعاء طيب المطعم
والمشرب والملبس ، والتذلل والتضرع والالحاح مع اليقين بالإجابة.
◇ أخي الصائم :
للصائم دعوة لا ترد فاحرص أن تكون لك
دعوات كل يوم وليلة ،
دعوة عند الإفطار
ودعوة عند السحور
دعوة لنفسك لأهلك لدينك لدعوتك لوطنك
للمسلمين ...
فقط : ادع الله وأنت واثق بالإجابة ،
جعلني الله وإياكم ممن يدعونه فيستجيب لهم
آمين.