تحقيق : محمد محمود خليفه
يخاطب الإسلام العقل والضمير والوجدان عند أصحاب العقول والعلماء والأدباء والشعراء والروائيين ، وكثير منهم أشادوا بالدين الإسلامي أو أسلموا ، ولكن تم التكتم على مواقفهم
وإذا أراد الغربيون أن يقفوا على حقيقة الإسلام فليسألوا فلاسفتهم وعلماءهم وأدباءهم ، ونظرًا لكثرة هؤلاء وكثرة المؤلفات التي وضعوها عن الإسلام ، فسنكتفي بذكر بعضهم
يقول الصحفي السويسري الشهير (روجيه دوباسكويه) في الفصل الأول من كتابه " إظهار الإسلام " ، وقد كتبه المؤلف لإظهار حقيقة الإسلام للمواطنين السويسريين وللمتحدثين بالفرنسية ، ثم ترجم في كمبردج إلى الإنجليزية وترجمه الناشر إلى العربية : « يستحوذ الإسلام في السنوات الأخيرة للقرن العشرين على اهتمام الغرب ، ورغم طفرات الحضارة الحديثة احتفظ الإسلام بالقيم التقليدية التي هجرها الغرب ، ولا يمكن لأحد يدرك وجود حقيقة باقية لا نهائية فوق عالم اليوم الفاني إلا أن يكترث بالإسلام ، وإظهار الإسلام يعني إثبات الدليل على إمكان العيش في ظلال الحقيقة على المستويات الفردية والاجتماعية ، عيشة كاملة بلا تنازل أو حلول وسط ،
وتحدث ( روجيه دوباسكويه ) عن أزمة الحضارة الغربية والكوارث التي تزلزل العالم الحديث ، وفشل الفكر الحديث في تقديم تعريف متماسك للإنسان بسبب الجهل الكامل عن سبب ظهوره وعيشه وموته ، وتحدث عن الانقلابات الاجتماعية والإفساد الأخلاقي والفراغ الروحي الذي يعيشه العالم الغربي
ويقول ( دوباسكويه ) : لا يقنع الإنسان بالحضارة العصرية لأنها تقدم له كل شيء إلا الجوهر ، ولذلك تبدو عبثية ، لم ينشغل الإنسان جدا ولهوا من قبل مثل اليوم ولم يصبه مثل ملل اليوم ، وقد فشلت الإنجازات الهائلة للعلم والتكنولوجيا في الوصول إلى الجوهر الحقيقي للروح الذي يتحقق بإنجاز المهمة السامية التي خلق الإنسان من أجلها
ويؤكد المؤلف أن نظرة الإنسان المسلم للكون تختلف تمامًا عن نظرة الإنسان الذي لا يهمه إلا إشباع شهواته ، ويقول في الفصل الثاني : « ينظر الإنسان التقاني إلى العالم كشيء يتصرف فيه كيف يشاء ليشبع رغباته ، فلطالما لم يتبين أي أهمية له ، أو ما يستدعى احترامه وبعد تجريده من أي قداسة يستغله وينتهكه ويدمر انسجامه ويثير الأزمات البيئية المغلقة ، وعلى النقيض يرى المسلم في الخلق عملا إلهيا مجيدًا ، بما يحتويه من علامات ناطقة لنظام علوي ، ولا يوجد في الطبيعة شيء سخيف أو متروك للصدفة ، فلكل شيء أهميته التي يبصرها كل من لم تغشه عقلية وانحيازات الحضارة المادية » ،
وتقول المستشرقة الألمانية الدكتورة ( زيجريد هونكة ) في كتابها "شمس الله على الغرب : ( وإن محمدًا والإسلام هما شمس الله على الغرب) ، وتضيف : « لقد شاء الله أن يظهر من الأوروبيين من ينادي بالحقيقة ولا يغمط العرب حقهم في أنهم حملوا رسالة عالمية وأدوا خدمة إنسانية للثقافة البشرية قديمًا وحديثًا ، وإن هذا النفر من الأوروبيين المنصفين لا يأبه لتحدي المتعصبين الذين حاولوا جهد طاقتهم طمس معالم هذه الحضارة العربية والتقليل من شأنها»
وقد.أعلن عباقرة الغرب على أن نبينا محمد عليه افضل الصلاة والسلام هو أعظم العظماء في تاريخ البشرية ، وهكذا قال عنه الفيلسوف الإنجليزي ( برنارد شو) ، إنه منقذ البشرية وإن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكيره
وقال عنه (توماس كارليل) ، الحائز على جائزة نوبل : « إنه شهاب أضاء العالم أجمع » ، ويضيف : « لقد أصبح من أكبر العار أن يصغي الإنسان المتمدن من أبناء هذا الجيل إلى وهم القائلين إن دين الإسلام دين كذب ، وإن محمدًا لم يكن على حق ، لقد آن لنا أن نحارب هذه الادعاءات السخيفة المخجلة ، فالرسالة التي دعا إليها هذا النبي ظلت سراجًا منيرا أربعة عشر قرنا من الزمن لملايين كثيرة من الناس ، فهل من المعقول أن تكون هذه الرسالة ، التي عاشت عليها هذه الملايين وماتت ، أكذوبة كاذب أو خديعة مخادع ؟ ولو أن الكذب والتضليل يروجان عند الخلق هذا الرواج الكبير لأصبحت الحياة سخفا وعبثا ، وكان الأجدر بها ألا توجد ، وإن الرجل الكاذب لا يستطيع أن يبني بيتا من الطوب لجهله بخصائص البناء ، وإذا بناه فما ذلك الذي يبنيه إلا كومة من أخلاط هذه المواد ، فما بالك بالذي يبنى بيتا قامت دعائمه هذه القرون العديدة وتسكنه مئات الملايين من الناس ، وعلى ذلك فمن الخطأ أن نعد محمدًا كاذبا متصنعا متذرعا بالحيل والوسائل لغاية أو مطمع ، فما الرسالة التي أداها إلا الصدق والحق وما كلمته إلا صوت حق صادر من العالم المجهول ، وما هو إلا شهاب أضاء العالم أجمع ، ذلك أمر الله ، وإن طبيعة سيدنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام الدينية تدهش كل باحث مدقق نزيه المقصد بما يتجلى فيها من شدة الإخلاص ، فقد كان سيدنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام مصلحا دينيا ذا عقيدة راسخة ، وكان ملقبا قبل الرسالة بالصادق الأمين ، و أما ول ديورانت فقال عنه ، إنه أعظم عظماء التاريخ كله
وقال عنه ( ألفونس دي لامارتين ) الشاعر والسياسي الفرنسي الذي يُعدّ أحد أكبر شعراء المدرسة الرومانسية الفرنسية : من ذا الذي يجرؤ من الناحية البشرية على تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد ؟
ومن هو الرجل الذي ظهر أعظم منه ، وعند النظر إلى جميع المقاييس التي تقاس بها عظمة الإنسان ، وإن أعظم حب في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد
ويقول عن سيدنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام : (يوهان غوته) : أحد أشهر أدباء ألمانيا المتميزين ، والذي ترك إرثاً أدبياً وثقافياً ضخماً للمكتبة الألمانية والعالمية ، وكان له بالغ الأثر في الحياة الشعرية والأدبية والفلسفية، وما زال التاريخ الأدبي يتذكره بأعماله الخالدة التي ما زالت أرفف المكتبات في العالم تقتنيها كواحدة من ثرواتها
كلما قرأت القرآن شعرت أن روحي تهتز داخل جسمي ، فهو كتاب الكتب ، وإني اعتقد هذا كما يعتقده كل مسلم ، فلم يعتر القرآن أي تبديل أو تحريف ، وعندما نستمع إلى آياته تأخذك روح التشريع فيه ، ولا يسعك إلا أن تعظم هذا الكتاب العلوي وتقدسه ، وظني أن التشريع في الغرب ناقص بالنسبة للتعاليم الإسلامية ، وإننا أهل أوربا بجميع مفاهيمنا لم نصل بعد إلى ما وصل إليه النبى محمد وسوف لا يتقدم عليه أحد وقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى للإنسان فوجدته في النبي العربى محمد ، وإن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد النبي الذي وضع دينه دائمًا موضع الاحترام والإجلال ، فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات ، خالدا خلود الأبد ، وإني أرى كثيرا من بنى قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة ( أوروبا )
وفي كتاب "قصة الحضارة" كتب الفيلسوف والمؤرخ الأمريكي : ( ويليام جيمس ديورانت ) يقول : وإذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا إن محمدًا كان من أعظم عظماء التاريخ ، فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء ، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحا لم يدانه أي مصلح آخر في التاريخ كله ، وعن سبب اختياره لسيدنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام ليكون أعظم العظماء في التاريخ ، كتب المؤرخ الشهير : ( مايكل هارت ) : الفيزيائي الفلكي اليهودي الأمريكي ، في كتابه الشهير "الخالدون المئة" : « إن اختياري محمدًا ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ قد يدهش القراء ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين الديني والدنيوي ، فهناك رسل وأنبياء وحكماء بدأوا رسالات عظيمة ولكنهم ماتوا دون إتمامها كالمسيح في المسيحية ، أو شاركهم فيها غيرهم ، أو سبقهم إليها سواهم كموسى في اليهودية ، ولكن محمدًا هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية وتحددت أحكامها وآمنت به شعوب بأسرها في حياته ، ولأنه أقام إلى جانب الدين دولة جديدة ، فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضا وحد القبائل في شعب والشعوب في أمة ، ووضع لها كل أسس حياتها ورسم أمور دنياها ووضعها موضع الانطلاق إلى العالم أيضا في حياته فهو الذي بدأ الرسالتين الدينية والدنيوية وأتمهما»
وقد أبدع : يوهان غوته : الشاعر الألماني الكبير الذى اشتهر بالإلهام الذي استمده من التجلي الأدبي والروحي للثقافة الإسلامية ، فى قصيدته التي كتبها في ٣ / ١٧٧٢م ، للاحتفال بالنبي الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، المسماة : (Mahomets Gesang) وترجمتها (ترتيلة محمد) ، والتى نظمها وهو في الثّالثة والعشرين من العمر ، عندما كان شابا ، حيث تدرب غوته أولا على قراءة وكتابة اللغة العربية وتعرف على القرآن وشعر بشوق كبير لتعلم اللغة العربية ، وتحدث قائلا : « ربما لم يحدث في أي لغة هذا القدر من الانسجام بين الروح والكلمة والخط مثلما حدث في اللغة العربية» ، وتقول أستاذة الأدب الألماني : ( كاترينا مومزن ) : « إن علاقة غوته بالإسلام ونبيه ظاهرة مدعاة للدهشة في حياته ، فكل الشواهد تدل على أنه في أعماقه شديد الاهتمام بالإسلام ، وأنه كان يحفظ عشرات من آيات القرآن » ،
وفي السنة السبعين من عمره ، أعلن غوته على الملإ أنه يعتزم أن يحتفل في خشوع بتلك الليلة المقدسة التي أنزل فيها القرآن على النبي ( ليلة القدر ) ، وقد أعرب خلال حياته الطويلة بشتى الطرق عن احترامه وإجلاله للإسلام ولرسوله الكريم ، وتأثر غوته بالثقافة العربية والإسلامية ، وأعطى لشعره نوعا من الدفء والروحانية ، وإن قصيدة تمائم ضمن الديوان الشرقي ــ الغربي ، تعبر بإيجاز شديد وشعرية أنيقة عن جوهر الاِسلام ، فهذا مقطع من القصيدة يقول فيه :
هو ، لا أحد سواه ، العدل.
ويريد لكل الناس العدل.
من أسمائه المئة أجمعين.
سبحوا بهذا الاسم المكين.
آمين!
يريُد الضلال أن يربكني ويغويني ،
لكنك تعرف كيف تهديني.
فإن قمتُ بعمل أو نظمتُ الأشعار ،
فأهدني أنت سواء السبيل.
وكان غوته مشغوفًا بالدين الإسلامي والقرآن والشخصية المحمدية ودرس الشريعة الإسلامية وتعمق فيها ، وكان يعبر عن شغفه بالقرآن ويقول : ( إن الله أنزله على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو أمي لا يعرف شيئًا عن الفلسفة، ولم يكن شاعرا ، وهو ما جعل البشر يصدقون دعوته ، وكان القرآن معجزة لغوية للعرب ، وهم أهل البلاغة ، ولن يكون في مقدور أحد من البشر الوصول إلى هذه المعجزة الربانية )
وتعلق غوته بالقرآن ومن أجله بذل جهدا كبيرا في تعلم اللغة العربية وقرأ ترجمات القرآن ووصف أسلوب القرآن بالعظمة والرهبة ، وظهر تأثر غوته الشديد بالإسلام في مسرحيته الدراما المحمدية التي صور فيها بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ومعاناته في تبليغ رسالة التوحيد ، كما قام بتأليف نشيد محمد في تبجيل النبي صلى الله عليه وسلم عبر فيه عن انبهاره بشخص النبي وجهاده ، وإن المحبة التي كان يكنها غوته لمحمد صلى الله عليه وسلم جعلته يرى في الإسلام دينه ، وقد تبنى الإسلام بإخلاص وأعلن الشهادة وأكد أنه لا إله إلا الله الواحد وأن رسوله وخاتم المرسلين هو محمد صلى الله عليه وسلم ، وهكذا يكون أعظم شاعر في أوروبا هو أيضًا أول المسلمين في أوروبا الحديثة ، وهذا ما توحي به بعض أشعاره :
إذا الإسلام كان معناه أن لله التسليم.
فعلى الإسلام نحيى ونموت نحن أجمعين.
وفي قصيدة "حيوانات محظوظة" يرى غوته أن بعض الحيوانات ستدخل الجنة ، ومنها حمار المسيح عليه السلام ، وكلب أهل الكهف ، وناقة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقطة أبي هريرة ، لا لشيء إلا لأن النبي الكريم قد مسح بلطف على رأسها كما يروي :
وها هي هرة أبي هريرة.
تموء حول سيدها وتلاطفه.
إذ سيبقى حيوانا مقدسا على الدوام.
ذلك الذي مسح عليه النبي عليه الصلاة والسلام.
وفي ديسمبر ١٨٢٠ ، كتب غوته هذا الشكر على هدية كتاب لصديقه ويليمر : « هو الإسلام يجب علينا جميعًا الاعتراف به عاجلاً أم آجلاً » ،
وكتب في عام ١٧٩٢ : « إن الإيمان بقدر الله هو أنقى مبدأ ، ودين محمد خير دليل على ذلك » ويجب نحن المسلمون بالوراثة ، أن نحمد الله ليلا ونهارا على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة ، وأن نكون مؤمنون صادقون لله الشهيد الحق الوكيل ، وأن نأخذ العظة والقدوة من سيرة سيدنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام ، الذى عاش حياته صلى الله عليه وسلم ، فرعى الغنم ثم قاد الأمم ، وعاش الفقر والغنى ، والصحة والمرض ، والنصر والهزيمة ، والسلم والحرب ، والحضر والسفر ، فكان في جميعها عبدا لله وحده ، مخبتا طائعا ، منيبا صادقا ، منصفا عادلا ، وصدق الله عز وجل إذ يقول : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).