بقلم : محمد محمود خليفه
حقا وصدقا
وواقعا ملموسا ، لاشيء مجاني فى هذه الحياة إلا رحمة الله عز وجل ، وبفضل رحمته
التى وسعت كل شيء ، فهناك الكثير من المعاني والدروس التي يمكن أن نستخلصها
ونستفيد منها في حياتنا اليومية ، فالحياة دائما مليئة بالتحديات والصعوبات التي
قد نواجهها في أي لحظة من اللحظات ، ولكن رحمة الله هي التي تبقى دائما موجودة
وتحيط بنا بحنانها وروعتها ، وإذا نظرنا حولنا سنجد أن كل شيء في هذه الحياة يتطلب
عملا وتضحية من جانبنا ، سواء كان في العمل أو الدراسة أو العلاقات الاجتماعية ،
فلا يوجد شيء يأتي بدون مجهود أو ثمن ، ولكن رحمة الله هي الشيء الوحيد الذي يأتي
بدون مقابل ودون أن نستحقها فى غالب الأحيان ورغم تكرار معاصينا ، ولأن رحمة الله هي الشيء الوحيد الذي لا يأتي
بمقابل فيجب علينا أن ندرك قيمتها ونقدرها أكثر ،
فهي تعطينا الأمل والصبر في اللحظات الصعبة ، وترسم لنا طريقا نحو النجاح
والسعادة في الحياة ، وإذا كانت رحمة الله هي الشيء الوحيد الذي لا يأتي بمقابل ،
فكيف يمكن لنا أن نستفيد منها ونعيش حياة مليئة بالسعادة والتفوق ؟ والجواب يكمن
في أن نكون ممتنين لهذه الرحمة وأن نعبر عن شكرنا لله دائما ، بالتوكل على الله
والسعى والإستغفار والتوبة وقراءة القرآن الكريم والعمل الصالح والرحمة منا لغيرنا
مثلما نحب رحمة الله لنا .
و يمكن القول أن
رحمة الله هي الهبة الأعظم التي يمكن أن نحظى بها في هذه الحياة ، وهى تجعل الحياة
أكثر جمالا وسعادة ، لذا دعونا نعيش
حياتنا بشكر وامتنان ونستمتع بكل لحظة برحمة الله .
ويؤكد الله عز
وجل على رحمته بكلامه المحفوظ الموثق فى القرآن الكريم إلى يوم الدين فيقول الحق
سبحانه وتعالى : (( قُلْ يَا عِبَادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
)) [ الزمر : ٥٣ ] .
وعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عليه افضل الصلاة
والسلام ، قَالَ : (( لَمَّا قَضَى اللَّهُ الخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ
عَرْشِهِ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي ))
[ متفق عليه ] ، وهنيئا للخلق جمعاء برحمة الله التى وسعت كل شي ، فهي تمتد
إلى جميع خلقه ، سواء كانوا مؤمنين أو كافرين ، فالله سبحانه وتعالى قال في كتابه
الكريم : " وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ " [ سورة الأعراف : ١٥٦ ] ، فالرحمة الإلهية لا
تقتصر على فئة معينة ، بل هي شاملة لجميع البشر بغض النظر عن طوائفهم أو معتقداتهم
الدينية ، وإذا كانت رحمة الله تمتد إلى الجميع ، فلابد أن نحافظ على هذه الرحمة
ونعمل على توسيعها في حياتنا اليومية ، فالإسلام يحث على التعامل بالرحمة والمحبة
مع الآخرين ، حتى ان النبي محمد عليه افضل الصلاة والسلام قال: " إنما يرحم الله من عباده الرحماء
" [ أخرجه البخاري ] ، فكلما زادت
رحمتنا تجاه الآخرين، زادت رحمة الله
علينا ، وعلى الرغم من أننا نتعرض في حياتنا للكثير من المحن والابتلاءات ، إلا أن
رحمة الله تكون حاضرة لتغمرنا وتدعمنا في مواجهة التحديات ، لذا يجب أن نكون رحماء
ونحافظ على الرحمة والتسامح مع الآخرين ، فالله سبحانه وتعالى قال: " فَبِمَا
رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ
لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِك َ" [ آل عمران : ١٥٩ ] ، فلنكن من الذين يتحلون
بالرحمة والتسامح مع الآخرين ، لكي نكون محروسين برحمة الله ونكون دائماً في ظلها
وحمايتها ، فرحمة الله وسعت كل شيء ، وهي نعمة لا تقدر بثمن ، فلنحافظ عليها ونعمل
بها في معاملاتنا اليومية مع الآخرين ، وقد أرسل الله سبحانه وتعالى برحمته
الواسعة رسولنا الكريم عليه افضل الصلاة والسلام ، برسالة الأسلام ووصفه قائلا
"وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين" [ سورة الأنبياء : ١٠٧ ] ، فكان حقا رحمة من
الله للعالمين مهداه وسراجا منيرا .